«التكافل لرعاية السجناء» .. تجربة إسلامية ناجحة في معالجة أوضاع المدينين وإعالة أسرهم
تسجيل الدخول E
  • الاخبار
  • «التكافل لرعاية السجناء» .. تجربة إسلامية ناجحة في معالجة أوضاع المدينين وإعالة أسرهم

«التكافل لرعاية السجناء» .. تجربة إسلامية ناجحة في معالجة أوضاع المدينين وإعالة أسرهم

لم يعد العمل الخيري الكويتي محصورا في النطاق الإغاثي التقليدي المتعارف عليه منذ قديم الزمان، والمتمثل في تقديم العون والمساعدة للفقراء والمعوزين الذين انقطعت بهم السبل فقط، فقد تجاوزت أنشطته هذا الاطار إلى آفاق أوسع وفضاءات أرحب جمعية التكافل لرعاية السجناء واحدة من المؤسسات الخيرية الكويتية التي امتثلت قول الرسول الكريم «خير الناس أنفعهم للناس» (رواه ابن حبان) حيث نشطت في مجال لم يكن مألوفا في السابق، ألا وهو رعاية الفقراء الجدد الذين أفقروا أنفسهم بأنفسهم، وتورطوا في قضايا مالية، وانتهى بهم المآل إلى السجون، وتركوا وراءهم أسرهم دون عائل أو معين، وبهذا المسعى تقدم الجمعية تجربة إسلامية جديرة بالتأمل والرصد لدورها المشهود في رعاية شريحة من السجناء والعمل على إصلاحهم وإعادة تأهيلهم، وإعالة أسرهم في إطار دعم الجهود الرامية إلى تماسك المجتمع والحيلولة دون انفراط عقده، وبالتعاون مع وزارات الأوقاف والداخلية والشؤون والعدل ومؤسسات خيرية واستثمارية مجسدة صورة رائعة من الحرص المشترك على معالجة تداعيات هذه الجرائم.

 النشأة والأهداف الإنسانية

 أسسها الشيخ مساعد مندني عام 2000م في صورة صندوق تكافل قبل أن تتحول الى جمعية، فعندما عنت له الفكرة أخذ يصول ويجول بها في أوساط الخيرين، وقابله فريق من الناس باستغراب حينما علموا أنه سيعمل في أوساط المسجونين على ذمة قضايا مالية، وبلغ الأمر ببعضهم أنهم قالوا له «إما أنك ستصبح أكبر مجرم على وجه الأرض لأنك ستحتك بالمجرمين، أو أن في عقلك شيئا غير طبيعي». لكن الشيخ مندني- الذي يترأس الجمعية حتى الآن- لم يعبأ بهذا الخطاب المحبط، ومضى في مشروعه بإصرار وكانت الفكرة واضحة في ذهنه، إذ يرى أن السجين ليس مجرما، حتى لو قتل أو شرب الخمر أو تعاطى المخدرات، ولكنه إنسان مريض، والمريض يحتاج إلى علاج ومساعدة.

وفي مقابل هذا الفريق المتحفظ على هذا النشاط وجد فريقا آخر يعينه على الخير، ويقدم له الدعم والمساعدة، ومن أبرزهم العم الراحل عبدالله المطوع صاحب السجل الوافر بالعطاء.

 الشريحة المستهدفة

 وليس كل السجناء في سلة واحدة- من منظور الجمعية- وحتى لا تتهم بأنها تحض على الإجرام، فقد حددت شريحة معينة، تمثل قرابة 35 % من السجناء، وهي شريحة المحتجزين الذين دخلوا السجن بسبب جريمة آخرين كالكفيل أو من يعمل توكيلا لوكيله، حيث يصبح الموكل مدانا بجميع تصرفات الوكيل، أو الذي دخل السجن بسبب ضعف راتبه وعدم قدرته على الوفاء بأقساطه والتزاماته، وهنا يظهر دور الجمعية حيث تدرس ظروف المدين، وإذا ثبت أنه يدخل ضمن الاشخاص الذين تنطبق عليهم شروط المساعدة كالكفلاء أو الموكلين أو أصحاب الدخل المحدود او النساء اللاتي دخلن السجن بسبب ازواجهن أو أبنائهن، أو كبار السن والمرضى وغيرهم فلا تتردد في تقديم العون لهم لمساعدتهم على الخروج من هذه الأزمة.

 

التعاطي المنهجي

 

وعن طبيعة تعاطي الجمعية مع هذا الملف وضمان حصول المتورطين في هذه القضايا دون إرادتهم على المساعدات تبدأ الجمعية أولى خطواتها وضمن إطار منهجي بالتحقق من أن قضية هذا السجين او ذاك تدخل فعليا ضمن الشريحة المستهدفة حتى تمد له يد العون، ثم تأتي الخطوة الثانية وتتصل بالدائن لتسأله عن خلفيات القضية، وحجم الدين المستحق له على المدين، ونوعية النشاط الذي انعقد عنه هذا الدين، وعندما يثبت لها أنه عمل تجاري صحيح ولا ريب فيه، وقد جاء بناء على عمل شرعي صحيح أيضا، وأن هذا الدين جاء عن طريق اتفاق صحيح مائة بالمائة، هنا تقوم الجمعية بدراسة هذه الحالة وتعمل على سداد الدين من التبرعات التي تجلبها من أهل الخير، وإذا كان المبلغ كبيرا والجمعية لا تقدر على سداده فإنها لا ترفع شعار العجز بل تقوم بعمل تسوية مع الدائن، وتطلب منه أن يتنازل عن جزء من المبلغ، كما تطلب من أهل السجين أن يسهموا في تدبير جزء آخر، وتقوم هي بدفع الجزء المتبقي، وإذا عجزت عن الوفاء به تطلب من القاضي و برضا الدائن ان يقسط هذا المبلغ المتبقي على المدين، ومن ثم يخرج السجين إلى المجتمع، وقد استفاد من التجربة ليبدأ حياة جديدة كعضو نافع ومنتج.

 توسيع مفهوم الفقر

 

والجمعية بهذا النشاط المؤسسي الجديد نجحت في توسيع مفهوم الفقر انطلاقا من أن الأسر الكويتية التي وقعت ضحية هذا النوع من الإجرام قد أفقرت نفسها بنفسها بسبب القروض والديون وعدم التخطيط الصحيح الذي جاءت نتائجه سلبية على الأسرة واقتصادياتها، فمؤسسات الإقراض- كما يقول الشيخ مندني- تشجع على النشاط الاستهلاكي الأمر الذي أدى إلى أن مؤسسات «التكييش» والتي وصفها بغير القانونية قد أودعت أسرا كويتية كثيرة في السجن، وأوقعت أخرى في شراك الديون التي تمتد إلى عقود من الزمن بمبالغ تفوق دخلها الشهري، ومن هنا فإن أي مواطن- في تقدير الجمعية- عليه أمر ضبط وإحضار من قبل السلطات نتيجة مطالبات مالية، يمكن تصنيفه على أنه فقير، لاسيما أن نسبة هؤلاء تتراوح ما بين 8 إلى 10% من المواطنين، كما تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة العدل إلى أن عدد المطلوبين للقضاء في قضايا مالية والصادر بحقهم ضبط وإحضار يزيد على الـ 90 ألف مواطن كويتي، وهو رقم كبير قياسا على عدد السكان.

 سر النجاح

 ولعل سر نجاح الجمعية في رسالتها من خلال رصد دورها المجتمعي أنها لم تنظر إلى مساعدة السجناء من زاوية الجرم المرتكب، بل من زاوية المرض الذي دفع الضحية إلى ارتكاب الجرم، في إشارة مهمة تكشف عن عزمها اقتلاعه من جذوره، والأكثر من ذلك أنها لم تتعامل بشكل عفوي مع الشريحة المستهدفة، وإنما أعدت الدراسات والأبحاث ونظرت إلى الحالة المرضية لهذه الفئة من ثلاث زوايا، الأولى هي المرض، والثانية هي تفاعل المرض والدافعية إلى ارتكاب الجريمة، أما الثالثة فهي تداعيات المرض وآثار الجرم الذي يرتكبه في تلك المرحلة، الأمر الذي تطلب من- وجهة نظر الجمعية- عدم الخلط وإصدار أحكام مسبقة على السجناء بأنهم مجرمون وبالتالي لا يستحقون المساعدة كما قد يرى البعض.

وقد حالف النجاح الجمعية بإفراجها حتى الآن عن أكثر من خمسة آلاف سجين وسجينة بفضل الله أولا، ثم مساعدة العديد من الشركات والوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، ومن بينها بيت التمويل الكويتي، ودار الاستثمار، وشركة أعيان، والأمانة العامة للأوقاف، وبيت الزكاة وهو من أكبر الجهات الداعمة للجمعية بحوالي 200 ألف دينار سنويا، فضلا عن أن الجمعية تحصل مثل هذا المبلغ من تبرعات أهل الخير.

 جهود دعوية

 ولم يقتصر هذا النشاط على مسار تقديم الدعم المالي وحسب، فهناك أيضا جهد كبير تبذله الجمعية دعويا لكي ترفع من همة السجين وإيمانه وتنمي وعيه بقضيته وتداعياتها وتؤكد له أن السجن ليس نهاية المطاف، وإنما هو كبوة من الكبوات التي يمكن تجاوزها إلى فتح صفحة جديدة مع المجتمع، ووسائل الجمعية في ذلك كثيرة، منها دروس الوعظ والمحاضرات والدورات الإيمانية ومسابقات حفظ القرآن الكريم والثقافة الإسلامية والبرامج الإيمانية والترفيهية والدورات النفسية والاجتماعية، وتهدف هذه الأنشطة إلى تنمية الثقة في نفس السجين وإصلاحه وتأهيله ومساعدته على تجاوز محنته، كما تسعى الدورات النفسية والاجتماعية تحديدا إلى مساعدة السجين على التواصل مع أولاده وزوجته من داخل السجن وكأنه هو الذي يدير شؤونهم الأسرية والحياتية.

 النشاط المتزايد في رمضان

 ولأن شهر رمضان المبارك هو شهر الخيرات والجود والإقبال على الأعمال الصالحة ومضاعفة الحسنات، فإن نشاط رعاية السجناء يتزايد في هذا الشهر الفضيل أكثر من أي وقت آخر خلال العام، ويعود ذلك إلى الانتفاضة الإيمانية التي تشهدها مساجد الكويت ومبادرات أهل الخير وتسابق المحسنين والمؤسسات إلى إخراج الصدقات والزكوات والتبرعات كما أن كثيرا من المحسنين يجعلون من الشهر الكريم موعدا لإخراج الزكاة، ولهذا فقد دأبت الجمعية على تنظيم المؤتمرات الصحافية والاحتفالات للإعلان عن نشاطها وعدد السجناء الذين سيخرجون من ظلمة السجن إلى نور الحياة من خلال حملة «فرحة رمضان» فضلا عن تقديم المساعدات لأسر السجناء، فقد قدمت في رمضان الماضي مساعدات لألف أسرة حيث حصلت كل أسرة على 500 دينار ليبلغ إجمالي المبلغ المصروف على هذا النشاط وحده نحو نصف مليون دينار.

 التجربة تحظى بقبول خليجي

 وبهذا النشاط النوعي تعتبر الكويت سباقة في مجال رعاية السجناء ومساعدة أسرهم، بل ومصدرة لمثل هذه التجارب الناجحة إلى دول الخليج، فقد كانت مملكة البحرين من أوائل الدول التي شرعت في تطبيق هذه التجربة بعد لقاء جمع بين الشيخ مندني وعدد من رجال الأعمال في المملكة، وقد أبدوا إعجابهم بدور العمل الخيري في رعاية السجناء وشرعوا في تنظيم عمل مؤسسي مشابه، ولتعميم الفائدة نقل الشيخ مندني خبرة الجمعية إلى قطر وعمان والإمارات والسعودية واليمن، وهي التجربة التي لاقت قبولا واستحسانا واسعين من جانب الجهات المعنية في هذه الدول.